مقاربات لتوسيع حقل الرؤية
لقد اعتبرت الدارسة الألمانية إيريكا فيشر ليشته E.F- Lichte أن الجماعات الفرجوية المؤقتة التي تنشأ بين العارضين والمتفرجين مسألة أساسية في دراسة جماليات الأداء، وذلك لأنها تعمل على ضغط الحدود بين الجوانب الجمالية والجوانب الاجتماعية؛ حيث تتحول جماعتا المتفرجين والعارضين إلى جماعة واحدة، ثم إلى خبرة اجتماعية وواقع للمشاركين فيها؛ إنها تؤكد على أن ما يجري فيها هو شأن جماعي لا تنتجه فقط مجموعة من الفنانين المهرة وإنما هو نتاج حلقة التغذية المرتدة إما من خلال تبادل أدوار فعلي في بعض الفرجات أو من خلال طاقة مولدة تسري بين عناصر الجماعة الفرجوية. ويؤكد بروس ماكونيكي B. McConachieفي كتابه “إشراك الجماهير” أن هذا الإشراك إنما يتم في اتجاهين اثنين: يتمثل الاتجاه الأول في تفاعل جمهور المسرح مع الممثلين، وبشكل غير مباشر مع من يوجدون خلف الكواليس، أما في الاتجاه الثاني فيحتم على الممثلين أن يتفاعلوا مع الجمهور لخلق اتصال أدائي فعال. تأخذ مسألة إشراك الجماهير معناها من حركة الذهاب والإياب في الاتجاهين، وينتج عن ذلك كم هائل من العمليات المعرفية المعقدة التي تختزنها أفعال مثل الانتباه، والذاكرة، والإدراك البصري، واللعب التخيلي… يحاجج ماكونيكي من منظور معرفي بخصوص أن الديناميكيات الاجتماعية غير كافية لمقاربة مسألة إشراك الجمهور على اعتبار أن المتفرجين يستجيبون بشكل مختلف للعروض على أساس موقفهم الثقافي بخصوص العرق، والطبقة، والجنس؛ إذ تجتمع الخبرات الاجتماعية، والمواهب الجينية معا لبناء عقولنا وأجسادنا بطرق عديدة يصعب أن نفصل فيها بين التعلم الاجتماعي والثقافي، وما تحتمه علوم الوراثة والإدراك…
انطلاقا من هذين الموقفين ومواقف أخرى اهتمت بوضعية المتفرج في العروض الفرجوية والمسرحية سواء تلك التي تندرج في إطار دراسات الفرجة والأداء، والدراسات المسرحية، أو تلك التي تنتمي لمناطق معرفية أخرى مجاورة؛ عملنا في ورقتنا البحثية التي قدمناها خلال مهرجان قرطاج المسرحي في دورته 24 المنعقدة بين 02و10 دجنبر 2023 من جهة أولى على فهم واستيعاب وضعية الجمهور في المسرح والأشكال الأدائية الجماعية، ومن جهة ثانية على تسليط الضوء على سياسة مؤسسة وزارة الشباب والثقافة والتواصل في المغرب بخصوص مسألة الجمهور عبر آليات تدخلها في إنتاج الفرجة العمومية. فعلنا ذلك عبر الاشتباك مع خطوط التفكير الكبرى التالية:
مركزية المتفرج في العرض الفرجوي.
طبيعة العلاقة بين المسرح والمؤسسة.
هل تطمح المؤسسة الوزارية من خلال آلية الدعم العمومي إلى إنقاذ المسرح أم إلى تشكيل ملامح التفريج؟